الخامس والعشرون من شهر جويلية مثل تاريخيا مفصليا تغير خلاله مسار الأحداث السياسية التونسية وتباينت ردود الأفعال الداخلية بين مؤيد ومناهض للإجراءات الإستثنائية التي أقرها رئيس الجمهورية ، فيما شددت دول أجنبية لهجتها و عارضت قرارات قيس سعيد وحذرت من تهاوي “المسار الديمقراطي “في تونس.
▪︎ القرارات الرئاسية الإستثنائية بين الترحيب والتنديد الشعبي
شهد الشارع التونسي في الفترة الأخيرة إحتجاجات شعبية بين رافضة لقرارات قيس سعيد وأخرى مرحبة بها وإعتبرها البعض في صلب المطالب الشعبية. وللتذكير، تمثلت هذه التدابير الإ ستثنائية في إعلان رئيس الجمهورية تعليق عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه و إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه و تولي قيس سعيد كامل مهام السلطة التنفيذية ثم توليه رئاسة النيابة العمومية و إصداره إعفاءات طالت مناصب مهمة في مؤسسات الدولة الصدور الأمر الرئاسي بتاريخ 22 سبتمبر 2021 والذي مكنه من صلاحيات شبه مطلقة للسلطتين التشريعية والتنفيذية وممارستها بواسطة مراسيم دون إمكانية الرقابة أو الطعن فيها.
يتزامن هذا الصراع الداخلي مع صدور مواقف من دول أجنبية من خلال تصريحات مسؤولي بعض الدول الكبرى حول الشأن التونسي، ولعل تخصيص الكونغرس الأمريكي منذ أيام جلسة محورها الشأن الداخلي التونسي ومشروع قرار التصويت الذي أقره البرلمان الأوروبي قبل يومين بخصوص تونس خير دليل على ذلك..
▪︎البرلمان الأوروبي...هذا مانطلبه من الدولة التونسية.؟
ويذكر أنه تم يوم الخميس 21 أكتوبر 2021 التصويت على مشروع قرار البرلمان الأوروبي حول تطورات الوضع في تونس بالأغلبية الواسعة ، حيث أنه من مجموع 685 عضوا صوت 534 عضوا بنعم وصوت 34 عضوا بلا فيما إحتفظ 106 أعضاء بأصواتهم. وتأتي عملية التصويت عقب جلسة عقدها البرلمان يوم الثلاثاء 19 أكتوبر 2021 .
ويؤكد قرار البرلمان الأوروبي وفق ما جاء في بيانه على عدة نقاط يمكن حوصلتها كالتالي:
التأكيد على ضرورة عودة مؤسسات الدولة إلى العمل بصفة عادية مع المطالبة بحوار وطني شامل يشمل ممثلي المجتمع المدني.
كما أعرب أعضاء البرلمان عن قلقهم العميق بخصوص إحتكار السلطات بيد رئيس الجمهورية. وأكدوا كذلك على ضرورة المحافظة على الدستور وعلى الإطار التشريعي وإحترام الحقوق الأساسية والحريات.
ودعا البرلمان على إستئناف نشاط مجلس نواب الشعب في أسرع وقت وإعلان خارطة طريق واضحة . وحث السلطات التونسية على تجنب “الغموض القانوني” الذي يشمل قرارات منع السفر ورقابة الدولة على الأشخاص والإقامة الجبرية.
كما طالب البرلمان الأوروبي بوضع حد لمحاكمة المدنيين محاكمة عسكرية.
كما أعرب البرلمان من ناحية أخرى عن قلقه إزاء “التدخل الأجنبي الذي يقوض الديمقراطية التونسية”. ودعا رئيس الجمهورية إلى دعم التدابير الهادفة التي تضمن المساواة في الحقوق بين الجنسين في جميع المجالات (بما في ذلك الميراث،حضانة الأطفال وحقوق الشغل).
كما شدد البرلمان على ضرورة تجاوز الأزمة الإجتماعية والإقتصادية التي تواجه البلاد.
وأضاف أنه سيساهم في دعم تونس وتعزيز المساعدات الضرورية وبالخصوص دعم الرعاية الصحية عبر منظومة “كوفاكس”.
▪︎الكونغرس الأمريكي..الديمقراطية التونسية "مهددة بالخطر"
وبدوره الكونغرس الأمريكي عقد في نفس الشهر وتحديدا يوم 14 أكتوبر 2021 جلسة بعنوان ” وضع الديمقراطية في تونس والخطوات المقبلة للإدارة الأمريكية تجاه البلاد”. وفي ذات السياق حذرت “اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس النواب الأمريكي ” من وضع الديمقراطية في تونس ووصفتها ب “مهددة بالخطر”.
وأضافت بالقول ” قلقون بشكل بالغ من الإجراءات التي إتخذها قيس سعيد رغم التحركات الإيجابية خلال الأسابيع الماضية”.
و على هامش الجلسة صرح النائب الديمقراطي الأمريكي “تيد دويتش” ” إن الديمقراطية التونسية في خطر بعد صراع الرئيس قيس سعيد في فرض سلطات تنفيذية مع إستمرار تعليق البرلمان. كما عبرت أمريكا عن وخوفها من فتح المجال أمام “التغلغل الروسي الصيني” وضرورة قطع الطريق أمامهم. كما حذرت من عودة الإرهاب والمقاتلين التونسيين من بؤر التوتر.
▪︎قيس سعيد يحتج و الإتحاد يرفض التدخل الخارجي في الشأن الداخلي
وردا على ما صدر عن الكونغرس الأمريكي تم إستدعاء السفير الأمريكي “دونالد بلوم” من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد تعبيرا عن إستياء الدولة التونسية من إدراج الأوضاع الداخلية في جدول أعمال الكونغرس الأمريكي.
أثارت المحاولات المتتالية لتدخلات الدول الأجنبية في الشأن الداخلي التونسي ردود أفعال منددة بذلك ، وفي ذات السياق إعتبر الإتحاد العام التونسي للشغل التداول الأجنبي الأوضاع الداخلية مساسا بالسيادة الوطنية .
كما أدان الإتحاد في بيانه الصادر يوم 16 أكتوبر 2021 “تمسح بعض الأشخاص المرتبطين باللوبيات وببعض الأطراف السياسية على عتبات السفارات والدول وتحريضها ضد تونس بدعوى الدفاع عن الديمقراطية”، معتبرا أن التدابير الإستثنائية “خطوة إلى الأمام وتقطع مع عشرية الفساد والفشل ويمكن البناء عليها. مبينا أن تشكيل الحكومة خطوة أولى لتجاوز الأزمة وطالب بتوضيح أولوياتها وتحديد خططها و إحترام إستمرارية الدولة.
ويمكن القول بأن ما حدث في تونس منذ 25 جويلية 2021 مثل منعرجا جديدا لمسار الأوضاع الداخلية والسياسية بالخصوص وهو ما جعل تونس تقف بين مطرقة الاحتجاجات الشعبية وسندان التدخلات الخارجية بمواقفها وقراراتها وضغوطاتها. وهو ما يفسر صعوبة التحديات والرهانات القادمة التي ستواجهها تونس سيما وأنها تعيش على وقع تشكيل حكومي جديد تنتظره ملفات حارقة ، حكومة تترأسها نجلاء بودن وبتمثيل نسوي محترم هو الأرفع في تاريخ البلاد شمل تسع حقائب وزارية .
عتيقة العامري