صفاقس 24 أنفو Sfax 24 info

تونس في زمن الكورونا: إشاعات وأكاذيب يومية تهدد الوطن والمجتمع

إزداد في السنوات الأخيرة في تونس نسق إنتشار الإشاعات في جل الميادين وصارت هذه الأخيرة تمس الجميع أفرادا وجماعات لغايات وأغراض مختلفة.. ومع ظهور وباء الكورونا في تونس أصبحنا نواجه يوميا سيلا جارفا من الإشاعات والأكاذيب التي مست من المسؤولين ومؤسسات الدولة ومنها من مس حتى من إستقرار البلاد وأعلى أهرام سلطتها لتأخذ هذه الظاهرة منحى سلبي أكثر وباتت تشكل خطرا حقيقيا على إستقرار المجتمع التونسي..

لذا يرى الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير أن وباء الكورونا المتفشي عالميا قد واكبه تغيرا كبيرا على مستوى السلوك و الحضور النفسي لسكان العالم عموما وللتونسي على وجه التحديد، فالمواطن التونسي تعايش مع المرض بطريقته الخاصة على أرض الواقع لكن كان لأثر الفايسبوك بصمة جلية على أحاسيسه وشعوره النفسي أمام الكورونا. ففي سياق العولمة الحديثة والتطور التكنولوجي، أصبح الفايسبوك هو المصدر الأول للمعلومة إما عبر الصفحات الرسمية لبعض الاذاعات والصحف وهذه مواقع يقف وراءها أهل الاختصاص والاكادميين من الصحفيين لذلك تبقى معلوماتهم وأخبارهم ذات مصداقية كبرى، لكن المؤسف أن نجد بعض الصفحات مجهولة الهوية ومجهولة المصدر تقف وراء بث العديد من الاخبار المغلوطة والاشاعات التي قد تبث الرعب في نفوس التونسيين.

وأضاف بن نصير “إن تحدثنا بلغة الأرقام ففي تونس حوالي 81% من مستعملي الفايسبوك هم دون سن الاربعين أي من الشباب والمراهقين والاطفال والذين يعبرون عن جيل كامل أساسه ثقافة التمرد واللامبالاة والاستهتار في بعض الأحيان، فقد يظهر هذا الاستهتار عبر شبكات التواصل الاجتماعي فمنهم من يعمل على تخويف الغير وتهديد استقراره النفسي ومنهم من يزرع الاشاعات اما لمصلحة ذاتية أو جماعية أو لا لشيء إلا للبوز المُقرف الذي قد يؤدي الى الخوف بدرجات متفاوتة أوّلها التّململ والانزعاج وليس آخرها الرّعب والهلع”.

وأكد معاذ بن نصير إن الإشاعة سهلة المرور والانتشار بتونس وذلك لعدة أسباب من بينها تدني الوعي لدى البعض، و كذلك الغايات الفردية والجماعية لبعض القائمين على الحسابات الفايسبوكية والصفحات اللامهنية، قد تُعمم المعلومة الفايسبوكية وتنتشر في بضع دقائق بطريقة سريعة جدا. هذا قد يصنع نوعا من الخوف المصنَّع، خوف تصنّعه غايات فردية كالتسجيل الصوتي الذي اكتسح الفايسبوك لامرأة ادعت أنها ممرضة والهدف تخويف المستهلك ليُقبل على منتوجاتها دون تردّد، تخوّفنا وتحركنا غريزة الحياة هي التي تحدد سلوكياتنا اليومية وطريقة تموقعنا في الفضاء العائلي والاجتماعي. لكن قد يصبح التخويف مباحا اذا كانت الغاية منه تنمية الوعي المواطني والفردي والجماعي للتونسيين، فلقد بان بالكاشف ان البعض لا يقي نفسه إلا عند شعوره بقرب الخطر واحساسه بالخوف، نحن مع التخويف من اجل المصلحة العامة على حساب المصلحة الخاصة والجشع الفردي ومافيا الاحتكار وتجار الأزمة. اضافة إلى ذلك يرى بن نصير أن الاشاعة تكثر خاصة بتدني مستوى الوعي الجمعي وهذا ما لوحظ مؤخرا داخل البلاد التونسية. ختاما يعتبر بن نصير أن أزمة الكورونا يجب أن تفتح أعيننا أمام وعي أخذ المعلومة ، فالاخبار ننتقيها إما من الجهات الحكومية الرسمية أو من الاعلام السمعي والمرئي والبصري ذو المصداقية والحرفية بعيدا عن طفيليات الصفحات فارغة المحتوى أو الاشخاص مجهولو الهوية.

وفي سياق آخر, قال الشيخ علي غربال في تعريف الإشاعة “هي: الخبر يَنتشِر غير مُتثبَّت منه ومِن تعريفات الإشاعة أنها هي: “الأحاديث والأقوال والأخبار التي يَتناقلُها الناس، والقَصص التي يَروونها، دون التثبُّت مِن صحَّتها، أو التحقُّق مِن صِدقِها”، ويكون منشأ هذه الإشاعة – غالبًا -: خبرًا مِن شخص، أو خبرًا مِن جريدة، أو مِن مَجلَّة، أو خبرًا من إذاعة، أو خبرًا من تلفاز، أو خبرًا من رسالة خطِّية، أو خبرًا مِن شَريط مُسجَّل. وقد نهى الله تعالى ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقل الأخبار قبل التثبت من صحتها، ومن طرق التثبت أن يكون المصدر ثقة مؤتمنا يأخذ عن مثله، أما إن كان المصدر غير ثقة فلا بد من التبين قبل نشر الخبر، قال الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كفى بالمرء كذبًا أن يُحدِّث بكل ما سمع)) ومدلول الآية عامٌّ، وهو يتضمَّن مبدأ التمحيص والتثبُّت مِن خبر الفاسِق، فأما الصالح، فيؤخَذ بخبره؛ لأن هذا هو الأصل في الجَماعة المُؤمِنة، وخبر الفاسق استثناء، والأخْذ بخبر الصالح جزء مِن منهج التثبُّت؛ لأنه أحد مَصادِره، أما الشكُّ المُطلَق في جميع المَصادر وجميع الأخبار، فهو مُخالف لأصل الثِّقة المَفروض بين الجَماعة المؤمِنة، ومُعطِّل لسَير الحياة وتنظيمها في الجماعة، والإسلام يدع الحياة تسير في مجراها الطبيعي، ويضع الضمانات والحواجز فقط لصيانتها لا لتعطيلها ابتداء، وهذا نموذج من الإطلاق والاستِثناء في مصادر الأخبار.

وأضاف الشيخ علي غربال ان الإشاعة إن كان فيها ترويع للناس أو لزرع التنازع بينهم فهي من الكبائر، لأن الله تعالى وضع أسسًا ومعاييرَ لإقامة المجتمع، ومِن هذه الأُسس والمعايير أن تَسُود روح الحبِّ والأُخوَّة والسلام بين أفراد المجتمَع؛ فـ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يَخذله، ولا يُسلمه))، و((المؤمن للمؤمن كالبُنيان؛ يشدُّ بعضه بعضًا))، و((مثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتعاطُفِهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى))، هذه هي الروح التي أراد الإسلام أن يبثَّها في أتباعه، أما أن تنشأ العلاقات على الفُرقة والتنازُع والاختِلاف والإفساد بين الناس، فهذا ما حاربه الإسلام، والإشاعة سبب رئيسي لبثِّ هذه الأخلاق المذمومة التي نهى عنها الإسلام.

ومن الناحية القانونية, أكد الأستاذ سامي بوصرصار تجريم الإشاعة الكاذبة التي تعرّض حياة الناس للخطر ووردت هذه الجريمة في الفصل 306 ثالثا من المجلة الجزائية: «يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام ومن مائتي دينار إلى أربعة آلاف دينار كل من أذاع عن سوء قصد خبرا مزيّفا معرّضا بذلك سلامة إحدى وسائل النقل البرّي أو البحري أو الجوّي إلى خطر. ويعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى خمسة أعوام وبخطية من مائتي دينار إلى ألفي دينار كل من ابلغ أو أذاع عن سوء قصد خبرا مزيّفا وذلك لحمل الغير على الاعتقاد بوجود عمل إجرامي موجب لعقاب جنائي يستهدف النيل من الأشخاص أو الأملاك. والمحاولة موجبة للعقاب». ومن الجرائم الأخرى التي أقرها المشرع التونسي في هذا الباب والتي يمكن أن تعرّض سلامة الناس إلى الخطر جريمة الفصل 295 من المجلة الجزائية الذي جاء فيه: «يعاقب بالعقوبات المقرّرة بالفصل 291 من هذه المجلة كل من يحمل تغريرا منه غيره على مبارحة التراب التونسي وذلك بادّعاء وقائع لا أصل لها في الحقيقة أو أخبار زائفة». تجريم الإشاعة الكاذبة التي تعرّض مصالح وأموال الناس للخطر من بين الجرائم التي أقرّتها المجلة الجزائية في إطار مقاومة الإشاعة الاقتصادية المتعلّق بالتخفيض أو الترفيع في الأسعار: جريمة الفصل 139 الذي نصّ على ما يلي: يعاقب بالسجن من شهرين إلى عامين وبخطية من أربعمائة وثمانين دينارا إلى أربعة وعشرين ألف دينار كل من يحدث أو يحاول أو يحدث مباشرة أو بواسطة ترفيعا أو تخفيضا مصطنعا أو أسعار المواد الغذائية أو البضائع أو الأشياء العامة أو الخاصة وذلك:

* بتعمّد ترويج أخبار غير صحيحة أو مشينة لدى العموم أو تقديم عروض بالسوق بهدف إدخال اضطراب على الأسعار أو تقديم عروض شراء بأسعار تفوق ما طلبه الباعة أنفسهم أو بغيرها من وسائل وطرق الخداع مهما كان نوعها.

* بممارسة أو محاولة ممارسة تدخل فردي أو جماعي على السوق بقصد الحصول على ربح لا يكون نتيجة قاعدة العرض والطلب الطبيعيين. ويحكم زيادة على ذلك بمنع الإقامة لمدة لا تقلّ عن عامين ولا تتجاوز خمسة أعوام.

* جريمة الفصل 284 الذي نصّ على ما يلي: يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها ألفان وأربعمائة دينار كل من اغتصب، بواسطة التهديد، بالكتابة أو القول أو بالإذاعة أخبار أو بنسبة أمور من شأنها الإضرار بالغير أموالا أو قيما أو إمضاء أو إحدى الأوراق المبيّنة بالفصل 283 من هذه المجلة.

وختم الأستاذ سامي بوصرصار “تجريم الإشاعة الكاذبة التي تعكّر صفو الأمن العام جرّم ذلك المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرّخ في 2 نوفمبر 2011 يتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر بفصله 54 و الذي يوجب عقابا بخطية فضلا عن امكانية تطبيق احكام الفصل 291 من المجلة الجزائية الذي يتعلق بنشر ادعاءات كاذبة”.

ختاما, مصلحة الوطن في هذه الآونة بالذات تتطلب منا جميعا اليقظة والتثبت قبل نشر الأخبار وانتظار المصادر الرسمية والإبتعاد عن الضنون والشكوك والشبهات وكذلك الإبتعاد عن ظاهرة التنمر التي أصبحت تضرب كل من يعمل في هذا الوطن نساء ورجالا وسنعود لهذا الموضوع في مقالات قادمة بأكثر تفاصيل.

محمد خليل بن صالح